الجميع قد يقع ضحيته.. خطر يتربّص بالعالم وهذا كل ما يمكن للبناني القيام به!

خطر وحيد يجمع الدول العظمى بغيرها في هذه الأيام، وهو الذكاء الاصطناعي والممارسات الناجمة عنه. فبين السياسة والإحتيال المالي والخصوصية الفردية، باتت أجراس الإنذار تقرع في شتى المجالات. ومع التطور المستمر الذي تشهده تكنولوجيا توليد التزييف العميق، لا بدّ من التوقف قليلاً عند هذا التهديد وفهم الموضوع بشكل أوسع.

تزييف الفيديوهات

عن تأثير الذكاء الإصطناعي على صناعة الصور والفيديوهات المزيّفة، سألنا الخبير في الأمن الرقمي والمعلوماتي رولان أبي نجم، الذي أكّد أنه بات كبيراً جداً خاصة مع إنضمام تطبيق Sora التابع لشركة OpenAI الذي بإمكانه إنشاء أي فيديو بشكل متكامل عبر أي نصّ كان.

أبي نجم أشار لـ"لبنان24" إلى أن الأمر لا يتعلّق فقط بهذا التطبيق الحديث والمنتشر كثيراً، بل يمكن أيضاً تزييف الفيديوهات عن طريق تطبيقات عدّة تمكّن المستخدمين من إنشاء صورة أو فيديو عبر نصّ، مشدداً على أن دقّة هذه الفيديوهات عالية جداً HD لذلك من الصعب التمييز بين المحتوى الصحيح والمحتوى المزيّف المصنوع عبر الذكاء الإصطناعي.

وفي ما يشير إلى مدى حساسية هذا الموضوع، أفاد أبي نجم بأنه يمكن صناعة فيديوهات ليس موجودة أصلاً كابتكار أماكن أو أشخاص غير موجودين أبداً، كما يمكن إنشاء فيديوهات عبر التزييف العميق لجعل الأشخاص الحقيقيين يلقون خطابات لم تحصل أبداً.

وفي العودة إلى أصل إنشاء التزييف العميق، فقد تمّ ابتكاره عبر الذكاء الإصطناعي ليس بهدف الشرّ، إنمّا لاستخدامات معيّنة تختلف بين الشخص والآخر.

من هنا، اعتبر أبي نجم أنه في حال تمّ استخدام التقنيات الحديثة والذكية بشكل إيجابي وبنّاء، يمكن أن تفيد في صناعة أبرز وأهمّ المحتويات بشكل إبداعي، بينما يمكن أن تؤثر سلباً على المستخدمين خاصة بما خصّ تزوير الأخبار وسواها وهو ما بدأ يطلّ برأسه على أرض الواقع من خلال مواقع إخبارية مصنوعة عبر الذكاء الإصطناعي، تبثّ أخباراً ونصوصاً وفيديوهات قد يصعب على المستخدم التمييز بينها وبين ما هو حقيقي.

هل الوقاية ممكنة؟

الخبر السيء هنا بحسب أبي نجم، هو أنه "مع الأسف لا يمكن الوقاية من هذا الأمر على الصعيد الشخصي ولا العام، وما من إجراءات يمكن اتخاذها لعدم وقوع ضحية التزييف، خاصة مع غياب أي ضوابط وقوانين"، مشيراً إلى أنه حتى ولو سُنّت هذه القوانين، إلا أنها ستبقى محدودة، لأنه مثلاً إذا قام أحد الناشطين في كوريا الشمالية بابتكار فيديو استهدف أشخاصاَ في لبنان، فلا يمكن لهم التحرك ضدّه، وبالتالي الأمر ليس محصوراً في إطار جغرافي كي يتمكّن المستخدمون من حماية أنفسهم.

إلا أن أبي نجم ركّز بشكل كبير في هذا السياق على الوعي الذي يجب أن يتحلّى به رواد مواقع التواصل الإجتماعي، داعياً لاتباع منهج Zero Trust أي عدم الثقة بأي شيء، خاصة أنه في ظل الحديث عن الذكاء الإصطناعي والإبتكار السهل للفيديوهات والأصوات، يجب دوماً التأكد من المعلومات قبل تصديقها، قائلاً إن "عبارة "لا أصدّق شيئاً قبل رؤيته صوتاً وصورة" التي كنا نعتمدها في السابق، باتت غير صحيحة ولا فعاّلة في أيامنا هذه".

التشريع أبطأ من التطور

وعلى صعيد الرّدع، أشار أبي نجم إلى أن الأنظمة العالمية تحاول بشكل جدّي وضع ضوابط لهذا الموضوع، وخاصة الإتحاد الأوروبي وأميركا، إلا أن الأمر ليس بهذه السهولة إذ أن المشرّعين ليسوا بعد على دراية كافية بمخاطر الذكاء الإصطناعي الذي لا يزال حديثاً جداً بالنسبة لهم.

وفي هذا الإطار، قد يكون التشريع أبطأ من التطور لأن بعض التشريعات التي يتمّ العمل عليها الآن لن تكون قيد التطبيق قبل العام 2026، ومن الآن حينه بحسب أبي نجم، أمور كثيرة حديثة ستطرأ تقنياً.
وأضاف أنه يتمّ اليوم الضغط باتجاه محركات البحث كغوغل ويوتيوب وغيرهما، كي تضع ما يشير إلى أن المحتوى مصنوع عن طريق الذكاء الإصطناعي لمساعدة المستخدمين على معرفة الحقيقي من المزّيف، إلا أن هذا الأمر لا يزال قيد البحث والدراسة.

ماذا عن لبنان؟

وعن واقع لبنان من هذا الخطر المستجدّ، فأشار أبي نجم إلى أن الأمر لا يتعلّق بدولة واحدة وهو قطعاً موجود في لبنان كما في الخارج لأن المحتوى منشور عبر الإنترنت في كل العالم.

إلا أنه شدّد على أن المواطن اللبناني الذي يقع ضحية أي فيديو مفبرك له، أن يرفع دعوى قضائية عبر النيابة العامة التمييزية لتتحول إلى مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية، والهدف منها حماية النفس وليس الحصول على تعويض.

وأوضح أن "المواطن ممكن أن يتوّرط بأي شكل من الأشكال في حال تمّت فبركة فيديو له، لذا عندما يرفع دعوى قضائية، فهذا سيكون في سبيل رفع المسؤولية عن نفسه لا أكثر".

هل يُمكن مُقاضاة الذكاء الاصطناعي بسبب انتهاكاته؟

بعد تعرض برامج الدردشة الآلية مثل "شات جي بي تي" لسُمعة أشخاص من خلال معلومات "زائفة"، يتحضر مختصون للبحث عن الوسائل القانونية الممكنة لردع هذه برامج مماثلة، ومقاضاة المسؤولين عنها وتعويض الأشخاص المتضررين، فما مدى امكانية مُقاضاة الذكاء الاصطناعي على انتهاكاته؟

أشهر الانتهاكات التي قام بها "شات جي بي تي"

العمدة الأسترالي براين هود، اكتشف أن "روبوت الدردشة" قال عنه زوراً بأنه "متورط في فضيحة رشوة أجنبية"، تشمل شركة تابعة لبنك الاحتياطي الأسترالي في العقد الأول من القرن الحالي، زاعماً أن العمدة الأسترالي قضى فترة بالسجن نتيجة ارتكابه تلك الجريمة.

وقد يكون العمدة الأسترالي صاحب أول دعوى تشهير في العالم ضد شركة "أوبن إي أي"، الشركة التي طورت "شات جي بي تي"، بعدما اتهمه التطبيق بهذه الجريمة.

"المنافسة" هي السبب… ماذا عن مسؤولية الشركات المالكة؟

اعتبر الخبير التقني رولاند أبي نجم في حديث لـ"النهار"، أن السبب الرئيسي للانتهاكات والأخطاء التي تقع فيها برامج "الشات بوت" هو ارتفاع حدة المنافسة بين الشركات المتنازعة في هذا السباق، والتي تتدافع لإطلاق برامج منافسة لـ"شات جي بي تي"، فركزت على المنافسة التجارية أكثر من تطوير الأنظمة نفسها.

وأشار نجم إلى أن هذا السبب هو الذي دفع خبراء التكنولوجيا لطلب توقيف تطوير برامج الذكاء الاصطناعي لفترة 6 أشهر، بهدف حوكمة وضبط هذه الأدوات.

أما عن مسؤولية الشركات التي تُطلق برامج الذكاء الاصطناعي، فأكد أن المسؤولية هنا أخلاقية بالدرجة الأولى، من ناحية مصادر المعلومات المبرمجة داخل البرامج، ومدى واقعيتها وعدم انحيازها أو انحياز الشركات.

قانونياً… هل يمكن مقاضاة الذكاء الاصطناعي؟

وفي هذا الإطار، وبشأن إمكانية مقاضاة مسؤولي الذكاء الاصطناعي، فإن خوارزميات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاتها تمتلكها شركات معروفة لدى القانون، وهي المسؤولة عن تطوير هذه الأنظمة وصحة المعلومات التي بُرمجت عليها. لذا فإنه سيتوجب على الجهات المتضررة تقديم الدليل التقني الذي يمكن أن يُنصف الضحايا في هذا المجال ويثبت مسؤولية أو تقصير الشركات المالكة لأنظمة الذكاء الاصطناعي.

ولكن من ناحية اخرى، أكد نجم لـ"النهار" أن المشكلة الأساسية هي أن هذه الأنظمة ما زالت تفتقر إلى الإطار القانوني الذي ينظمها ويحكمها، وأضاف: "هناك مشكلة أخرى تكمن في أن التكنولوجيا وأدواتها دائماً كانت أسرع من المشرعين، الذي يعانون أيضاً من تعقيد وصعوبة في تحديد الجهات المسؤولة في القضايا المرفوعة حالياً في عالم التكنولوجيا".

وعلى صعيد القانون الدولي، هناك بعض العقبات التي قد تعطل إمكانية مقاضاة المسؤولين عن أنظمة الذكاء الاصطناعي، ومنها الخصائص التكنولوجية المميزة لتلك التطبيقات التي تجعل أنظمة الذكاء الاصطناعي غامضة وغير متوقعة، وهو ما يعيق اكتشاف الأسباب والنتائج غير المقصودة لأي أضرار عرضية تحدثها هذه الأنظمة.

بالإضافة إلى ما سبق، فإن الحداثة النسبية للذكاء الاصطناعي واستخدامه داخل المنظمات والمؤسسات والشركات، تجعل من الصعب مقارنة إقرار المسؤولية والمساءلة الدولية عن منتجي ومبرمجي ومشغلي الأنظمة.

وأما للتخفيف من الانتهاكات التي قد تقوم بها برامج المحادثة مثل "شات جي بي تي"، فاعتبر نجم أنه من الأفضل أن تُعرض هذه البرامج على جهات رقابية معينة قبل اطلاقها للتأكد من أهليتها، وهو ما لا يحصل حتى الآن.